يحلّل فيلب كاستنر المأساة السودانية المتصاعدة منذ عامين، حيث انفجرت مواجهة بين جناحي المؤسسة العسكرية، وتحوّلت إلى حرب وحشية تُغرق البلاد في ما تصفه تقارير الأمم المتحدة بـ“مجازر بشرية”. قوات الدعم السريع سيطرت أخيرًا على الفاشر، آخر معاقل الجيش في دارفور، وبعد ذلك اندفعت شهادات عن مذابح على أساس عرقي وعمليات قتل جماعي واعتداءات جنسية. منظمة الصحة العالمية أحصت 460 قتيلًا في حادثة واحدة داخل مستشفى المدينة. الصورة القاتمة تعيد إلى الذاكرة بدايات رواندا عام 1994، ودورة الموت نفسها التي ابتلعَت دارفور قبل عقدين.

 

وتوضح منصة ذا كونفرزيش أنّ تقارير أممية سبق أن رصدت جرائم حرب من الطرفين، بينما يحذّر محللون من احتمال تحوّل الصراع إلى إبادة جماعية جديدة. السياق يزداد فظاعة: مئات الآلاف قُتلوا منذ 2023، 12 مليون إنسان نُزعوا من بيوتهم، و21 مليون يعيشون في جوع حاد. ورغم ذلك، العالم يلتزم صمتًا ثقيلًا يختلف تمامًا عمّا حدث في أوائل الألفية عندما قاد ضغط الرأي العام لتعزيز التدخل الدولي في دارفور.

 

ويشرح الكاتب أنّ الانتباه العالمي لا يوقف المأساة بمفرده، لكنه يشكّل الخطوة الأولى. في الماضي قاد الضجيج الدولي إلى نشر بعثة حفظ سلام أممية – أفريقية، ورغم محدوديتها استطاعت فرض رقابة على بعض خطوط النار وحماية مدنيين. اليوم يحتاج السودان إلى مستوى مماثل من الضوء، لأن القوى الخارجية تضخّم الصراع: الجيش يتلقى دعمًا من مصر وتركيا وإيران وروسيا، بينما تتّهم تقارير حقوقية الإمارات بإمداد الدعم السريع بالسلاح في خرق صارخ للحظر الدولي. دخول الأسلحة الثقيلة إلى دارفور يعمّق دائرة الرعب، فيما تبدأ أبوظبي أخيرًا بالابتعاد قليلًا عن الدعم السريع بعد فظائع الفاشر.

 

ويعرض الكاتب خطوات عملية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. أول خطوة تُفتح عبر اتفاق وقف إطلاق نار فوري يتيح للممرات الإنسانية أن تعمل. المنظمات الإغاثية لا تقدر على الوصول، والجوع يفتك بالملايين. ثم يحتاج الحظر المفروض على السلاح إلى تشديد فعلي يوقف تدفق الطائرات المسيّرة والمدافع والذخيرة. العقوبات أيضًا يجب أن توسّع نطاقها لاستهداف المسؤولين عن الجرائم والقنوات التي تموّل الحرب، وعلى رأسها تجارة الذهب التي يستغلها الطرفان لتغذية آلة القتال.

 

ويرى الكاتب أنّ أي سلام حقيقي لا يستقر إلا إذا جرى دمج قوات الدعم السريع في الجيش أو نزع سلاحها تدريجيًا. التجارب السابقة تُظهر أنّ الإفلات من العقاب يحوّل عدالة الغد إلى ورقة محروقة. لذلك يشكّل بناء مسار للعدالة والمصالحة خطوة حيوية لردع الجريمة وإعادة بناء الثقة بين المجتمعات. الصراع الحالي يزداد تعقيدًا لأن كل طرف ليس كتلة موحّدة، بل شبكة فصائل وقوى محلية تتحرك باستقلال نسبي. لهذا السبب لن يكفي أي اتفاق بين القيادات وحده. الواقع يفرض اتفاقات محلية مع زعماء الفصائل والمجموعات الأصغر لحماية السكان في مناطقهم بشكل مباشر.

 

ويشير الكاتب إلى أنّ جولات التفاوض السابقة لم تُنتج اختراقًا حقيقيًا، ما يعني أنّ الضغط الخارجي قد يصبح أكثر تأثيرًا الآن. الإمارات، مثلًا، قد تجد نفسها مضطرة للدفع نحو مفاوضات جادة، وكذلك مصر تجاه القوات المسلحة السودانية. وفي النهاية يحتاج السودان إلى خطة شاملة ترعاها الأمم المتحدة أو الاتحاد الأفريقي، تتيح للسودانيين أن يصنعوا مستقبلهم السياسي بدل أن يُتركوا وقودًا لصراعات الآخرين.

 

ويختتم الكاتب برؤية واقعية: صناعة السلام ليست معجزة، بل عمل شاق طويل النفس، لكن حجم المأساة في السودان يفرض على العالم ألّا يشيح بوجهه. استمرار المحاولة ليس خيارًا أخلاقيًا فحسب، بل السبيل الوحيد لوقف الدوران المروّع نحو الهاوية.

 

https://theconversation.com/can-the-world-prevent-a-genocide-in-sudan-269088